سيّدة واقفة فاتحة ذراعيها وراحتي يديها نحو السماء، وفي وسطها طفل معالمه بالغة ينظر إلينا ويباركنا. ترى مَن هما؟.
إنّهما الرب المتجسّد ووالدة الإله الكليّة القداسة.
هذا الشكل لوالدة الإله يجسّد الإنسان المسيحي المتضرّع دائمًا لأنّه أصلًا خُلِقَ إنسانًا ليتورجيًّا، يسبّح، والرّبّ يسوع في أعماق قلبه يباركه، ويعكس الإنسان هذه البركة على كل شخص يلتقيه، فالله تجسّد ليسكن فينا ونصبح هياكل الروح القدس باقتبالنا الإلهيّات.
ظهر هذ الشكل لوالدة الإله والرب يسوع المسيح منذ نشوء الجماعات المسيحيّة الأولى، إذ نراه موجودًا على جدران في دياميس روما أكثر من خمسين مرّة، والتي تعود للقرون الثلاثة الأولى.
ولأهميّة دلالة هذا الشكل نجده على الكاسات والأواني الكنسيّة مِن القرن الرابع ميلاديّ، كما نلاحظ وجود هذه الأيقونة في أغلب الكنائس الأرثوذكسيّة في حِنية هيكل الكنيسة ومدوّن على الأيقونة أرحب من السموات Η πλατυτερα των ουρανων، كيف لا وهي التي سعت في أحشاءها مَن لا يسعه مكان.
كم أنت عظيم يا رب يا من تجسّدت مِن أجلنا دون أن تفقد شيئًا مِن ألوهيتك. ما هذا السر الكبير، وُلِدتَ طفلًا وأنت خالق السماء والأرض.
عذراء بلاشرن La Blachernitissa
يذكر التاريخ أن داخل منطقة Blacherne في القسطنطينيّة في كابيلا تابعة للكنيسة التي شيّدت خصيصًا في العام ٤٥٠م لحفظ مافوريون والدة الإله Maphorion الذي أُتي به مِن أورشليم في عهد ليون الأوّل (٤٥٧-٤٧٤م)، كان يوجد نبع ماء يخرج مِن يدي جدارية لوالدة الإله المتضرّعة. تعرّضت هذه الأيقونة في العام ١٤٣٤م لحادث حريق ولكن بقي بعض الأثار منها.
كما هذا الشكل مِن العذراء المتضرّعة وُجِدَ أيضًا في أيقونة الصعود كما تظهر مثلًا قارورة مونزا Monza مِن القرن السادس ميلادي وإنجيل رابولا الذي يعود ل٥٨٦م.
وهذا الشكل نراه أيضًا في أيقونة زنّار والدة الإله المعيّد له في ٣١ آب.
وقد وجدت نقوش معدنيّة تعود للقرن العاشر مدّون عليها عبارة σκέπη أي الحماية كانت مذكورة في بلاشرن قديمًا ونقوش أخرى وأختام لوالدة الإله المتضرّعة في بلاشرن وتحمل اسم Blachernitissa ابتداءً مِن الحقبة نفسها، بالإضافة إلى وجود الأحرف ΜP وΘV التي تعني والدة الإله. ونقوش أخرى تعود إلى القرن الحادي عشر تظهر والدة الإله المتضرّعة.
كلّ ذلك ليقول إن شفاعة والدة الإله بدأت مع بدء المسيحيّة وهي من جوهر إيماننا المسيحي.
الأب أثناسيوس شهوان رئيس قسم الانتاج في المركز الأنطاكي الأرثوذكسي للإعلام